
إذا كان القانون الدستوري يرسم الهيكل العام للدولة، فإن القانون الإداري هو الذي يملأ هذا الهيكل بالحياة والحركة. إنه مجموعة القواعد القانونية التي تحكم الإدارة العامة (الحكومة، الوزارات، الجماعات الترابية، المؤسسات العمومية)، حيث تنظم كيفية عملها، والوسائل التي تستخدمها لتأدية مهامها، والأهم من ذلك، كيفية خضوعها للرقابة لضمان عدم تعسفها في استعمال سلطاتها تجاه الأفراد.
## امتيازات السلطة في خدمة المصلحة العامة
يتميز القانون الإداري عن القانون الخاص بأنه يحكم علاقة غير متكافئة. فالإدارة العامة لا تتعامل مع المواطن كطرف مساوٍ لها، بل بصفتها ممثلة للمجتمع تسعى لتحقيق المصلحة العامة. ولتمكينها من أداء هذا الدور، يمنحها القانون امتيازات وسلطات استثنائية لا يملكها الأفراد، أبرزها:
- سلطة اتخاذ القرار الانفرادي: يمكن للإدارة أن تصدر قرارات ملزمة للأفراد بإرادتها المنفردة (مثل قرار منح رخصة بناء، أو قرار توظيف موظف، أو أمر بهدم مبنى آيل للسقوط).
- سلطة التنفيذ المباشر: في بعض الحالات، تستطيع الإدارة تنفيذ قراراتها بالقوة الجبرية دون الحاجة للحصول على إذن مسبق من القضاء.
- نزع الملكية للمنفعة العامة: تستطيع الإدارة إجبار فرد على التخلي عن ملكيته العقارية مقابل تعويض عادل، وذلك من أجل إنجاز مشروع ذي نفع عام (كمدرسة أو طريق سيار).
## الرقابة القضائية: درع المواطن في مواجهة الإدارة
إن هذه الامتيازات ليست مطلقة، بل هي مقيدة بضرورة تحقيق المصلحة العامة واحترام القانون. وهنا يأتي دور القضاء الإداري كضمانة أساسية لحماية حقوق وحريات الأفراد. فهو قضاء متخصص للنظر في النزاعات التي تكون الإدارة طرفًا فيها.
أهم دعوى يمكن للمواطن رفعها أمام هذا القضاء هي “دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة”. تتيح هذه الدعوى للقاضي الإداري أن يبحث في مشروعية القرار الإداري الذي أصدرته الإدارة، فإذا تبين له أن القرار معيب بأحد العيوب (مثل عدم الاختصاص، أو مخالفة القانون، أو الانحراف في استعمال السلطة)، فإنه يحكم بإلغائه واعتباره كأن لم يكن. وإلى جانب الإلغاء، يمكن للمواطن مطالبة الإدارة بالتعويض عن الأضرار التي سببتها له.
## خاتمة: نحو إدارة خاضعة للقانون
يُعتبر القانون الإداري عصب الدولة الحديثة، فهو الأداة التي توازن بين ضرورة منح الإدارة سلطات فعالة لخدمة المجتمع، وضرورة حماية المواطن من شطط هذه السلطة. إن وجود قضاء إداري قوي ومستقل هو خير دليل على خضوع الدولة نفسها، بإدارتها ومؤسساتها، لسيادة القانون، مما يكرس الثقة بين الحاكم والمحكوم ويضمن تحقيق العدالة الإدارية.




